فصل: (سورة الأنعام: آية 112)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ} [93] وهذه استعارة عجيبة. لأنه سبحانه شبه الذين يعتورهم كرب الموت وغصصه بالذين تتقاذفهم غمرات الماء ولججه. وقد سميت الكربة غمرة لأنها تغمر قلب الإنسان، آخذة بكظمه، وخاتمة.
على متنفسه. والأصل في جميع ذلك غمرة الماء.
وقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [94] على قراءة من قرأ برفع النون من بينكم. وهذه استعارة. لأنه لا فصائل هناك على الحقيقة فتوصف بالتقطّع، وإنما المراد: لقد زال ما كان بينكم من شبكة المودة وعلاقة الألفة، التي تشبّه لاستحكامها بالحبال المحصدة، والقرائن المؤكدة.
وقوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [95] فهذه استعارة على بعض الأقوال، وهو أن يكون معناها أنه سبحانه يشق الحبة الميتة، والنواة اليابسة، فيخرج منها ورقا خضرا، ونباتا ناضرا، ويخرج الحبّ اليابس الذاوي من النبت الحي النامي. وقال بعضهم: يخرج الإنسان الحي من النطفة وهى موات، ويخرج النطفة الموات من الإنسان الحي. واللّه أعلم بالصواب.
وقوله سبحانه: {فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكنا} [96] وهذه استعارة.
والمعنى: شاقّ الصبح ومستخرجه من غسق الليل. وقوله سبحانه: {فالِقُ الْإِصْباحِ} أبلغ من قوله شاقّ الإصباح، إذ كانت قوة الانفلاق أشد من قوة الانشقاق. ألا تراهم يقولون: انشقّ الظفر، وانفلق الحجر؟ وقوله تعالى وجاعل اللّيل سكنا استعارة أخرى. ومعناها على أحد القولين أنه سبحانه جعل الليل بمنزلة الشيء المحبوب الذي تسكن إليه النفوس وتحبّه القلوب. يقال: فلان سكن فلان. على هذا المعنى. والتأويل الآخر يخرج الكلام عن معنى الاستعارة. وهو أن يكون المراد أنه تعالى جعل الليل مظنة لانقطاع الأعمال، والسكون بعد الحركات.

.[سورة الأنعام: آية 100]

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}.
وقوله سبحانه: {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [100] في قراءة من قرأ: وخرقوا بالتخفيف، وفى قراءة من قرأ خرّقوا بالتثقيل. فهذه استعارة. والمراد أنهم دعوا له سبحانه بنين وبنات بغير علم، وذلك مأخوذ من الخرق وهى الأرض الواسعة، وجمعها خروق، لأن الريح تتخرق فيها، أي تتسع. والخرق من الرجال: الكثير العطاء، فكأنه يتخرق. والخرقة: جماعة الجراد مثل الحرقة، والخريق: الريح الشديد الهبوب.
فكأن معنى قوله تعالى: {وَخَرَقُوا لَهُ} أي اتّسعوا في دعوى البنين والبنات له، وهم كاذبون في ذلك. ومن قرأ وخرّقوا فإنما أراد تكثير الفعل من هذا الجنس.
والاختراق، والاختلاق، والاختراع، والانتسال بمعنى واحد، وهو الادعاء للشيء على طريق الكذب والزور.

.[سورة الأنعام: آية 112]

{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (112)}.
وقوله سبحانه: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [112] وهذه استعارة. لأن الزخرف في لغة العرب: الزينة. ومن ذلك قولهم: دار مزخرفة أي مزيّنة.
فكأنه تعالى قال: يزينون لهم القول ليغتروا به، وينخدعوا بظاهره، كما يستغرّ بظاهر جميل، على باطن مدخول.

.[سورة الأنعام: آية 110]

{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}.
وقوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [110] وهذه استعارة. لأن تقليب القلوب والأبصار على الحقيقة وإزالتها عن مواضعها، وإقلاقها عن مناصبها لا يصح والبنية صحيحة والجملة حيّة متصرفة. وإنما المراد- واللّه أعلم- أنا نرميها بالحيرة والمخافة، جزاء على الكفر والضلالة. فتكون الأفئدة مسترجعة لتعاظم أسباب المخاوف، وتكون الأبصار منزعجة لتوقع طلوع المكاره. وقد قيل إن المراد بذلك تقليبها على قراميص الجمر في نار جهنم، وذلك يخرج الكلام عن حيز الاستعارة إلى حيز الحقيقة.

.[سورة الأنعام: آية 113]

{وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}.
وقوله تعالى: {وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [113].
وهذه استعارة. والمعنى: ولتميل إليه أفئدة هؤلاء المذكورين. ويقال: صغى فلان إلى فلان. أي مال إليه. وصغوه معه: أي ميله. ومنه أصغى بسمعه إلى الكلام. إذا أماله إلى جهته، ليقرب من استماعه. وميل القلب إلى المعتقدات، كميل السمع إلى المسموعات.

.[سورة الأنعام: آية 127]

{لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (127)}.
وقوله تعالى: {لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [127]. وهى استعارة. والمراد: لهم محل الأمنة والسلامة والمنجاة من المخافة. وتلك صفة الجنة. والسلام هاهنا: جمع سلامة.

.[سورة الأنعام: آية 130]

{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (130)}.
وقوله تعالى: {قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا} [130] وهذه استعارة. لأنهم لما اغتروا بالحياة الدنيا حسن أن يقال إنها غرتهم. ولما كان فيها ما تميل إليه شهواتهم جاز أن يقال: إنها استمالت شهواتهم.

.[سورة الأنعام: آية 153]

{وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}.
وقوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [153] وهى استعارة.
والسبل التي هي الطرق لا تتفرق بهم، وإنما هم الذين يفارقون نهجها، ويتبعون عوجها.

.[سورة الأنعام: آية 164]

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164)}.
وقوله سبحانه: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [164] فهذه استعارة. والمعنى: ولا تحمل حاملة حمل أخرى. يريد تعالى في يوم القيامة. أي لا يخفف أحد عن أحد ثقلا، ولا يشاطره حملا. لأن كل إنسان في ذلك اليوم مشغول بنفسه، ومقروح بحمله. وليس أن هناك على الحقيقة أحمالا على الظهور، وإنما هي أثقال الآثام والذنوب.
ونظير ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعى للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الأنعام:
سورة الأنعام هي السورة المكية الأولى في السبع الطوال التي بدأ بها المصحف الشريف. والقرآن النازل كان يخاطب أول ما يخاطب الوثنيين الغافلين عن الله الجاحدين لوحدانيته. وهم قوم كانوا يتعصبون لأصنامهم ويجمدون علي مواريثهم ويقاومون بعنف كل صيحة للتحرر العقلى. بيد أن القرآن الكريم اعتمد على إطالة الإقناع ومضاعفة الأدلة والحديث عن الله سبحانه حديثا يكشف عن عظمته، وينبه إلى آياته في الأنفس والآفاق، ويستثير ما يكمن في النفوس من خشية وإنابة، أي يستثير بقايا الفطرة التي غطت عليها ظلمات الجاهلية. وتمتاز سورة الأنعام بخاصتين شاعتا فيها هما كثرة التقريرات والتلقينات لاستنقاذ العقل العربى مما تردى فيه. والتقرير إرسال حكم واضح محدد في شأن من شئون الألوهية. ونلحظ ذلك عند أول آية تقرؤها {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور...}. فالله خالق العالم ومضيء شموسه وأقماره. ومع عظمة ما صنع وانفراده به فإن بعض الجهلة يسوى به من لا يحسن صنع شئ!! كيف تتم هذه التسوية؟. وعلى أية حال فالناس على ظهر الأرض لهم آجال محدودة ينتهى كل فرد إليها ثم يعود كل امرئ إلى بارئه. وللإنسانية جمعاء أجل تنتهى إليه هو الساعة الكبرى.. ثم يحكم عالم السر والعلن بين عباده على الطريقة التي عاشوا بها في الدنيا. وتقرير الحمد لله في الأولى والآخرة يتبعه تقرير آخر {وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون}.
ويكثر في هذه السورة التحدث عن الله بضمير الغائب، واسم الموصول المفرد مثل {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر...}، {وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع...}. والحق أن ضمير الغيبة هنا يجعل المستمع في حالة حضور، كأن الله يخاطبه! ويضع يده على مظاهر عظمته فلا يملك، إلا الإذعان. ولا تحسبن هذا الأسلوب يؤثر في المشركين وحدهم، كلا.. إن أهل الكتاب يرون فيه جديدا من المعرفة الحية لا يرونها في كتبهم مما يترك في سرائرهم أعظم الآثار!! إنه لم ينزل كتاب من السماء يتحدث عن الله بمثل هذه اللهجة من الصدق، وهذه الدقة من الوعى. فهو يخلع الناس خلعا عن التقاليد التي ألفوها، ويصدع الغفلات التي سادت بينهم.!! وإلى جانب التقريرات التي ذكرنا نماذج لها نجد التلقينات المتتابعة في هذه السورة، والتى يقول الله فيها لنبيه وهو يجادل المشركين: قل لهم كذا قل لهم كذا. ربما تكرر هل اللفظ مرتين في آية واحدة {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه...}. وربما تكرر أربع مرات في آية واحدة مثل {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون}. أرأيت هذا الحوار النابض بالحق واليقين؟. أرأيت كلمة قل يسعف الله بها نبيه ليرد على مخالفيه؟. لقد تكررت هذه الكلمة في سورة الأنعام أربعا وأربعين مرة..!! وظاهر أن السورة الكريمة نزلت في ذروة المعركة المحتدمة بين الحق والباطل. والمشهور من أقوال العلماء أنها نزلت- على طولها- جملة واحدة. وقد رويت أقوال بأن آيات منها نزلت في المدينة المنورة، بعضها باطل، وبعضها ضعيف. وعلتها أن بعض القراء يحسب أن كل ما يتصل بأهل الكتاب لا علاقة له بمكة!! وهذا خطأ.
كما أن البعض تصور أن فرض الزكاة كان في المدينة والحق أنه بدأ في مكة وفصلت الأنصبة في المدينة. والسورة نزلت في نفس واحد واحتف لنزولها عشرات الألوف من الملائكة. ووعاها الرسول كلها ساعة نزلت فقد كان ذهنه ألمع من البرق! وكانت ذاكرته أدق من الأشرطة التي تتم عليها التسجيلات اليوم. فلما استوعبها استدعى الحفظة والكتبة وأملى عليهم ما جاء من عند الله...!! ونحب أن نستعرض التقارير والتلقينات التي حوتها السورة وشتى القضايا التي تناولتها.. من أول ما ذكرته السورة من مقررات مصير الظلمة مهما طال عليهم الأمد. إن تكذيبهم للأنبياء يأخذ مراحل متتابعة تبدأ بالإعراض، ثم بالتكذيب المتجهم، ثم بالاستهزاء المتواصل، ثم بالعدوان الآثم! والقدر الحكيم يطاولهم في هذه الأثناء ابتلاء للمؤمنين، والكافرين جميعا. وهذه طبيعة الحياة الدنيا، ولكن عقبى الصراع وخيمة على الكافرين. ومن ثم يقول الله لكفار العرب: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين}. هذه مصاير الحضارات عندما تتفسخ، ومصاير الأمم عندما تستكبر وتطغى. تبقى على ظهر الأرض حينا ثم تختفى تحتها مخلية المكان لآخرين!! ونسأل: هل هذا شأن الكفر المحض؟ أم القانون عام يشمل مع الكافرين أمما أخرى خلطت الحق بالباطل والهوى بالهدى؟ أو بعبارة أخرى: هل يستوى الذين أعرضوا عن الإيمان كله، والذين لم يكسبوا في إيمانهم خيرا؟؟. الظاهر من الآيات الواردة في السورة تشرح هذه القضية أن الكل سواء. وتدبر قوله تعالى يشرح أسلوب أخذه للأمم: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}. إن الله مكر بهؤلاء، وبدا كأنه أهملهم! وهيهات فما كادوا يستمرئون شرورهم حتى أخذهم بغتة {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}.
وفى استقرائى لأحوال الأمة الإسلامية على امتداد تاريخها وجدت هذه السنة الإلهية تتكرر، وأن ما هُدد به المشركون ظهر في الأبناء المنحرفين. {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون}!! إن الحليم قد تطول أناته، ولكنه عندما يضرب يوجع {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.
عندما تنصح إنسانا فتقول له: احترام عقلك، واستند إليه في أحكامك! فيقول لك: هات معجزة تؤيد هذه النصيحة! ماذا تصنع له؟. إنك تلفته إلى خطأ فيه فيلفتك إلى قصور عندك!! إن المعجزات لا تجدى مع عقل بليد وفكر غبى، وآفة المشركين القدامى والجدد أنهم محبوسون وراء قصورهم العقلى. ولذلك يقول الله سبحانه كاشفا عن عدم جدوى المعجزات مع هؤلاء: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} إنهم صرعى فكرة واحدة استبدت بهم فلا يقبلون غيرها. وقد زعموا أن الرسول لو صحبه ملك يؤيده فهم مؤمنون به!! {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون}. والمعنى أنهم- بعد نزول الملك- سوف يبقون على كفرهم، وعندئذ يحل بهم عذاب الاستئصال. فإن غيرهم طلب المعجزات ثم كفر بعد ما جاءته قالوا: {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون}؟.